forget_ameer
عدد المساهمات : 34 تاريخ التسجيل : 09/12/2009
| موضوع: عَصِيرُ قَصَبٍ ، قصة للشاعر الكبير الدكتور/ عزت سراج الأربعاء ديسمبر 16, 2009 11:29 am | |
| عَصِيرُ قَصَبٍ قصة قصيرة من مجموعة ثَوْرَةُ الرَّصِيفِ الَّذِي خَلَعَ عَبَاءَتَهُ للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج ـــــــــــــ فِي مُنْتَصَفِ شَارِعِ الْجَلاءِ أَسْفَلَ جِسْرِ الْقُرَشِيِّ بَعْدَ الظُّهْرِ يَبْدُو الْمَارَّةُ مِنْ بَعِيدٍ كَأَشْبَاحٍ تَتَكَاتَفُ مُتَلاصِقَةً فِي صُفُوفٍ مُتَدَاخِلَةٍ تَقْطَعُ حَرَكَةَ السَّيَّارَاتِ ذِهَابًا وَإِيَابًا ، أَفْوَاجًا تَدْفَعُ أَفْوَاجًا كَطُوفَانٍ لا يَهْدَأُ مُتَجَاوِزًا الشَّوَاطِئَ الْمُنْحَنِيَةَ إِلَى الْبُيُوتِ الْمُتَرَامِيَةِ وَرَاءَ الْحُقُولِ فِي رَتَابَةٍ تَكْسَحُ أَمَامَهَا كُلَّ شَيْءٍ عَائِدًا بِهَا إِلَى الْمُحِيطِ فِي هُدُوءٍ 0 فِي صُعُوبَةٍ وَصَلَ شَوْقِي إِلَى مَحِلِّ الْعَصِيرِ ، غَاضِبًا مُتَمْتِمًا بِالشَّتَائِمِ يَسْحَبُ صَدِيقَ طُفُولَتِهِ مِنْ ذِرَاعِهِ مُتَفَادِيًا الزِّحَامَ مَاسِحًا بِطَرْفِ قَمِيصِهِ وَجْهَهُ مُقَاوِمًا رَغْبَتَهُ فِي التَّقَيُّؤِ مِنْ رَائِحَةِ الْعَرَقِ النَّافِذِ مِنْ أَجْسَادِ الْمُتَدَافِعِينَ خَارِجَ الْمَحِلِّ 0 كَخَلِيَّةِ نَحْلٍ يَبْدُو الْمَحِلُّ الصَّغِيرُ ، يَتَحَرَّكُ النَّاسُ أَمَامَهُ دَاخِلِينَ خَارِجِينَ 0 الْمَاكِينَةُ لا تَتَوَقَّفُ عَاصِرَةً أَعْوَادَ الْقَصَبِ فِي الأَكْوَازِ الْمُثَلَّجَةِ الْكَبِيرَةِ طَارِدَةً خَلْفَهَا مُصَاصَتَهَا فِي لَحَظَاتٍ 0 يَنْشَطُ الْحَمَّالُونَ فِي إِدْخَالِ أَعْوَادِ الْقَصَبِ وَإِخْرَاجِ مُصَاصَتِهَا وَرَفْعِهَا فَوْقَ الْعَرَبَاتِ 0 تَرْتَفِعُ أَكْوَامُ الْمُصَاصَةِ مَعَ ازْدِيَادِ الْوَافِدِينَ سَاعَةَ الذِّرْوَةِ 0 يُتَابِعُ شَوْقِي الْحَمَّالِينَ فِي تَأَمُّلٍ لِهَذَهِ الأَكْوَامِ الْمُتَرَاكِمَةِ فِي سَاعَاتٍ مَعْدُودَةٍ 0 الأَصْوَاتُ الْمُتَدَاخِلَةُ الَّتِي لا تَبِينُ تَصْمُتُ عَلَى صُرَاخٍ مَقْطُوعٍ لِفَتَاةٍ مَحْشُورَةٍ وَسَطَ حَشْدٍ مُتَزَايِدٍ ، تَنْفَرِدُ كُلُّ مَجْمُوعَةٍ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا الْبَارِزَةِ لا يَأْبَهُونَ كَثِيرًا بِاسْتِغَاثَتِهَا 0 تَسْقُطُ أَزْرَارُ الْقَمِيصِ الْمَقْطُوعِ وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ كَاشِفَةً عَنْ ثَدْيَيْنِ نَافِرَيْنِ يَتَصَبَّبَانِ عَرَقًا 0 ـ يَا ابْنَ الْكَلْبِ 0 فِي مُحَاوَلَةٍ لِتَفَادِي الْحَرَجِ تَشُدُّ كِتَابًا مِنْ زَمِيلَتِهَا تُخْفِي وَرَاءَهُ صَدْرَهَا الْعَارِيَ ، وَتَجَمَّعَتِ الأُخْرَيَاتُ وَرَاءَهَا حَاجِبَاتٍ مَا ظَهَرَ مِنْ جَسَدِهَا النَّازِفِ 0 ـ الْعَصِيرُ بِسُرْعَةٍ يَا وَلَدُ ، سِتَّةُ أَكْوَابِ عَصِيرِ قَصَبٍ مُثَلَّجٍ هُنَا يَا وَلَدُ 0 ـ اصْبِرْ يَا أُسْتَاذُ 0 ـ نَأْسَفُ يَا آنِسَةُ لِمَا حَدَثَ لَكِ 0 ـ لا بَأْسَ ، هَذَا أَمْرٌ تَعَوَّدْنَا عَلَيْهِ مِنْ زَمَانٍ 0 ـ وَهَلْ أَمْسَكُوا بِأَوْلادِ الْكَلْبِ 0 ـ ذَابُوا فِي الزِّحَامِ ، ثُمَّ مَنْ يَجْرُؤُ عَلَى مُوَاجَهَةِ سُيُوفِهِمْ يَا حَضْرَةُ ؟ ـ الْعَصِيرُ يَا أُسْتَاذُ 0 ـ بِسُرْعَةٍ يَا شَوْقِي يَا أَخِي 0 ـ اصْبِرْ قَلِيلاً ، إِنَّنِي لَمْ أَرَ طَنْطَا مُنْذُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا يَا رَجُلُ 0 ـ لَنْ نَلْحَقَ بِالْقِطَارِ يَا شَوْقِي 0 ـ لا تَقْلَقْ ، سَنَأْخُذُ الَّذِي يَلِيهِ ، اصْبِرْ يَا رَجُلُ 0 000000 000000 000000 الْبُيُوتُ الْقَدِيمَةُ وَرَاءَ الْجِسْرِ كَالِحَةً كَالْمَقَابِرِ ، وَالشَّوَارِعُ ضَيِّقَةٌ بِلا أَرْصِفَةٍ ، وَالأَبْوَابُ الْخَشَبِيَّةُ الْعَتِيقَةُ مُفَتَّحَةٌ عَلَى مَصَارِيعِهَا فِي اخْتِنَاقٍ بَحْثًا عَنْ نَسْمَةٍ شَارِدَةٍ لا تَجِيءُ 0 تُزَمْجِرُ الْقِطَارَاتُ صَبَاحَ مَسَاءَ قَاطِعَةً صَمْتَ الْبُيُوتِ الْمُرْتَجَّةِ فِي اسْتِسْلامٍ 0 بَعْضُ الصِّبْيَانِ يَخْرُجُونَ كُلَّ مَسَاءٍ يَقْذِفُونَهَا بِالْحِجَارَةِ الْمُرْتَدَّةِ مُتَسَلِّلِينَ مِنْ وَرَاءِ الأَسْوَارِ يَخْلَعُونَ قُضْبَانَهَا لِقَاءَ جُنَيْهَاتٍ زَهِيدَةٍ 0 ـ انْظُرْ يَا شَوْقِي ، انْظُرْ إِلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ الْقَادِمَةِ ، يَا لَهَا مِنْ مُصَادَفَةٍ 0 ـ مَنْ يَا رَجُلُ ؟ ـ هَذِهِ السَّمِينَةُ الَّتِي رُبَّمَا تَسُدُّ الشَّارِعَ مُصْطَدِمَةً بِالسَّيَّارَاتِ سَاحِبَةً صَغِيرَيْهَا فِي يَدَيْهَا 000 هَذِهِ يَا رَجُلُ 0 ـ نَعَمْ رَأَيْتُهَا 0 ـ أَلا تَعْرِفُهَا يَا رَجُلُ ؟ ـ لا 0 ـ إِنَّهَا نَهْلَةُ يَا مِسْكِينُ ، أَنَسِيتَ نَهْلَةَ الْجَمَّالَ يَا رَجُلُ ؟ ـ لا ، لَيْسَ مَعْقُولاً ، لا أُصَدِّقُ 0 ـ أُقْسِمُ بِاللهِ هِيَ 0 تَتَنَقَّلُ فِي عَرَقِهَا الْغَزِيرِ ثَقِيلَةَ الْخُطَى ، زَائِغَةَ النَّظَرَاتِ شَارِدَةً رَافِعَةَ الرَّأْسِ سَاحِبَةً نَفَسًا عَمِيقًا يَخْرُجُ زَفِِيرًا سَاخِنًا فِي تَأَفُّفٍ مَكْتُومٍ 0 كَانَتْ أَجْمَلَ بِنْتٍ فِي الْجَامِعَةِ ، مُتَأَبِّيَةً كَغَزَالٍ هَائِمٍ فِي الْبَرَارِي الْوَاسِعَةِ ، يَأْخُذُهَا كِبْرٌ وَزَهْوٌ لا يَنْتَهِيَانِ 0 عَلَى حِينِ غِرَّةٍ يَخْطَفُ شَوْقِي قُبْلَتَهُ الأُولَى مِنْ خَدِّهَا الْمُتَوَرِّدِ ، مُدَاعِبًا خُصُلاتِ شَعْرِهَا الْمُسْتَرْسِلِ فِي نُعُومَةٍ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا النَّابِتَيْنِ كَتُفَّاحَتَيْنِ طَازِجَتَيْنِ فَوْقَ غُصْنِ وَرْدٍ 0 مَعْ كُلِّ صَبَاحٍ يَلْتَقِيَانِ فِي السَّابِعَةِ ، يَصْعَدَانِ الْحَافِلَةَ ، يَجُوبَانِ شَوَارِعَ طَنْطَا وَحَارَاتِهَا الْقَدِيمَةَ ، يَحْلُمَانِ بِعُشٍّ دَافِئٍ يَجْمَعُ شَتَاتَهُمَا 0 يَسْتَسْلِمَانِ وَرَاءَ الْبُيُوتِ الطِّينِيَّةِ لِسَاعَاتٍ تَفِرُّ مِنْ بَيْنِ الْعَقَارِبِ ، يَذُوبَانِ فِي انْتِشَاءٍ 0 سَبْعُ سِنِينَ مَرَّتْ مِنْ عُمْرِهِمَا لا يَظُنَانِ أَنَّ الأَقْدَارَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحُلْمَيْنِ 0 ـ لِمَاذَا لا تَصْبِرِينَ قَلِيلاً حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعَامُ ؟ ـ وَمَاذَا بَعْدُ أَيُّهَا الْفَارِسُ الْهُمَامُ ؟ ـ أَجْتَهِدُ وُسْعِي ، وَتَكُونِينَ لِي 0 ـ لَنْ تَسْتَطِيعَ أَيُّهَا الْمُقَاتِلُ الأَبِيُّ 0 ـ كَفَى سُخْرِيَةً ، وَسَاعِدِينِي أَنْتِ 0 ـ سَأَتَزَوَّجُهُ طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً 0 ـ إِذَنْ أَنْتِ تَرْغَبِينَ ؟ ـ بَلْ أَنْتَحِرُ بَطِيئًا 0 ـ لِنَتَزَوَّجْ وَلْيَكُنْ مَا يَكُونُ 0 ـ سَافِرْ يَا شَوْقِي ، لا تُضَيِّعْ وَقْتَكَ مَعِي هَبَاءً 0 000000 000000 000000 كَبَطَّةٍ تَنْقُرُ فِي كَوْمَةِ قَشٍّ وَسَطَ الْحَظِيرَةِ تَبْدُو نَهْلَةُ مُقَوَّسَةَ الظَّهْرِ ، تَلْتَصِقُ رَأْسُهَا الْكَبِيرُ الْمَائِلُ عَلَى جَانِبِهَا الأَيْسَرِ بِكَتِفَيْهَا الْمُمْتَلِئَيْنِ ، غَائِرَةَ الْعُنُقِِ ، تَجُرُّ جَسَدَهَا الْمُتَرَهِّلَ وَرَاءَهَا فِي إِجْهَادٍ 0 كَامْرَأَةٍ فِي السَّبْعِينَ يَتْبَعُهَا ظِلُّهَا الْمَكْسُورُ وَرَاءَهَا فِي انْحِنَاءٍ 0 يَرْتَفِعُ صَدْرُهَا فِي ضَخَامَةٍ مُتَدَلِّيًا بِصُورَةٍ لافِتَةٍ عَلَى بَطْنِهَا الْمُنْتَفِخِ كَقِرْبَةٍ مُمْتَلِئَةٍ بِالْمَاءِ الْحَارِّ 0 مُقَطَّبَةَ الْجَبِينِ تُغْمِضُ عَيْنَيْهَا الْوَاسِعَتَيْنِ خَلْفَ نَظَّارَتِهَا السَّمِيكَةِ تَتَفَادَى حَبَّاتِ الْعَرَقِ 0 تَفْتَحُ شَفَتَيْهَا عَلَى أَسْنَانٍ مُفَرْطَحَةٍ تُخْفِي بَيْنَهَا تَفَلَ الشَّايِ وَبَقَايَا حَبَّاتِ الذُّرَةِ الْمَشْوِيَّةِ 0 فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَرْمِي كُوبَ الْعَصِيرِ دَاخِلَ فَمِهَا مَاسِحَةً بِلِسَانِهَا حَوْلَ شَفَتَيْهَا 0 ـ كُوبٌ آخَرُ مِنْ فَضْلِكَ 0 فِي بُطْءٍ تَحْشُرُ جَسَدَهَا بَيْنَ الْوَاقِفِينَ ، تُزِيحُ شَوْقِيَ بِكَتِفِهَا فِي ابْتِسَامَةٍ بَلِيدَةٍ مُحَايِدَةٍ 0 يَتَرَاجَعُ مَذْهُولاً لا يُصَدِّقُ عَيْنَيْهِ وَقَدْ تَبَدَّدَتِ الذِّكْرَيَاتُ هَارِبَةً لا تَعُودُ 0 يَبْدُو الْفَارِسُ الْهُمَامُ بَعْدَ عَوْدَتِهِ مِنْ أَرْضِ الْمَعْرَكَةِ وَقَدْ سَقَطَ مِنْ فَوْقِ جَوَادِهِ فِي لَحْظَةِ سَهْوٍ ، وَاسْتَسْلَمَ الْمُقَاتِلُ الأَبِيُّ عَلَى غَيْرِ الْمُتَوَقَّعِ 0 تَسْحَبُ فِي هُدُوءٍ طِفْلَيْهَا طَالِبَةً مِنْهُ أَنْ يَضَعَ الأَكْوَابَ الْفَارِغَةَ فَوْقَ رُخَامَةِ الْعَصِيرِ 0 يَتَأَمَّلُ ظَهْرَهَا الْمُقَوَّسَ مُتَابِعًا خُطْوَتَهَا الْمَكْسُورَةَ فَوْقَ الرَّصِيفِ الْبَعِيدِ 0 تَتَلاشَى فِي الزِّحَامِ تَدْفَعُهَا الأَفْوَاجُ الْمُتَعَاقِبَةُ لِلْخَلْفِ تَارَةً وَلِلأَمَامِ تَارَةً أُخْرَى 0 مَدْهُوشًا يُتَابِعُ شَوْقِي الْحَمَّالِينَ يَرْفَعُونَ مُصَاصَةَ الْقَصَبِ فَوْقَ الْعَرَبَةِ فِي جَلَدٍ 0 يُرَاقِبُ عَقَارِبَ السَّاعَةِ مُسْرِعَةً يُطَارِدُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي صَيْرُورَةٍ لا تَتَوَقَّفُ 0 كَمَالِكِ الْحَزِينِ يُكْمِلُ شَوْقِي بَقِيَّةَ كُوبِ الْعَصِيرِ ، نَاظِرًا إِلَى أَعْوَادِ الْقَصَبِ الْمَرْصُوصَةِ أَمَامَ الْمَحِلِّ فِي ابْتِسَامَةٍ سَاخِرَةٍ ، طَالِبًا مِنْ صَدِيقِ طُفُولَتِهِ أَنْ يُسْرِعَ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَهُمَا قِطَارُ الثَّالِثَةِ 0 ــــــــ قصة قصيرة من مجموعة ثَوْرَةُ الرَّصِيفِ الَّذِي خَلَعَ عَبَاءَتَهُ للشاعر الدكتور / عزت سراج أستاذ الأدب والنقد المساعد كلية التربية ـ جامعة الملك خالد مصر ـ طنطا ـ محلة مرحوم
| |
|