ASDASD770
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ASDASD770

( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 «®°·.¸.•° الماضي لا يعود °·.·.¸.•°®»

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
forget_ameer

forget_ameer


عدد المساهمات : 34
تاريخ التسجيل : 09/12/2009

«®°·.¸.•° الماضي لا يعود °·.·.¸.•°®» Empty
مُساهمةموضوع: «®°·.¸.•° الماضي لا يعود °·.·.¸.•°®»   «®°·.¸.•° الماضي لا يعود °·.·.¸.•°®» Icon_minitimeالأربعاء ديسمبر 16, 2009 11:31 am

"تقدم شاب لخطبتك "..
انزلقت هذه الكلمات من فم أبي وهو ينظر إلي بتأمل..ولأول مرة منذ وفاة أمي أراه يبتسم وهو يضيف:
" لدي شعور قوي أنك تعرفين من هو "..
أحسست بحرارة في وجهي وأنا أتفادى نظراته الثاقبة..بالتأكيد أعرف..ومرت أمامي أحداث لقائي بوليد..
في يوم ممطر كنت عائدة من السوق وقد امتلئت يداي بأكياس المشتريات..أسرعت الخطى لعلي أصل إلى البيت قبل أن ابتل تماما..
الذي كان يعيق خطواتي هو الانزلاق المستمر للأكياس من يدي ..وفجأة ظهر رجل من العدم وتقدم نحوي واختطف الأكياس من يدي..نظرت إليه برعب وصحت بصوت مرتجف:
" ماذا تظن أنك فاعل؟ "..
لقد ظننت أنه سارق..لكنه ابتسم بلطف وقال:
" أحاول مساعدتك قبل أن تقتلي نفسك من البرد "..
خفضت بصري وأنا أتمتم معتذرة..ضحك وهو يقول:
" والآن أين منزلك فلست بقاريء أفكار "..
أشرت إلى المنزل فأمسك بيدي وقادني بسرعة نحوه..انقدت دون مقاومة..لم يكن بإمكاني فقبضته شتتت كياني ..وجعلتني مجر ظل واه له..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
عندما وصلنا سلمني الأكياس وعيناه تراقبني ببريق غريب..لحظتها انتبهت إلى ما قد يبدو عليه مظهري..فلابد أن شعري مشعث بفعل الريح..وبحركة لا إرادية مددت يدي لأصففه
لكنه قال:
"دعيه.. فإنه يبدو رائعا هكذا "..
لم اعتد تلقي المديح من أحد..لذا لم أدر بما أجيب..وأنقذني في تلك اللحظة ظهور أبي على عتبة الباب..نقل بصره بيننا بتعجب فاندفعت قائلة:
" لقد ساعدني هذا الرجل في حمل المشتريات "..
لانت ملامح أبي فقال:
" إذا علينا أن نشكره..تفضل يابني ..اشرب شيئا ساخنا لتدفيء نفسك حتى يتوقف المطر "..
بدا على وجهه أنه سيعترض..فهز أبي رأسه :
" لا ...لن أقبل رفضك "..
اتسعت ابتسامته وهو يقول:
" إذن ماالفائدة من المحاولة "..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانت تلك بداية معرفتنا بوليد..وأصبح يتردد على منزلنا..ذات مرة أخبرنا أنه يعيش لوحده بعد وفاة والديه الذين لم يرزقا بغيره..وأنه يبحث عمن يشاركها حياته..كان قلبي ينبض بقوة عند كلماته تلك..
أتراني أحببته؟!!..
المؤكد أنني معجبة جدا بشخصيته العصامية..وهاهو يخطبني!!..لقد رأى فيه أبي الابن الذكر الذي لم يحصل عليه..ورأت فيه أختي الأخ الذي حرمت منه..
لقد أحبوه ورغبوا به صهرا..وهكذا لم يعد هناك مجال للشك..أعلنت الموافقة وأبدى رغبته في الإسراع بالزواج..وهكذا تم كل شيء بسرعة..
لم أره قبل الزفاف إلا قليلا ولم تسنح لي الفرصة لأنفرد به..كانت هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة لا يملكها إلا هو..لا بأس ..بعد الزواج سأسأله عن كل ما أرغب بمعرفته..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
جاء اليوم المصيري..كان حفلا بسيطا..وقفت بجانبه بثياب الزفاف وصوت الدفوف يلامس أذني وكأنه من بعيد..اختلطت الأصوات والضحكات..ولم أعد اسمع سوى صدى صوتي وأنا أقول:
" اقبل به زوجا"..
نظرت إليه وشعرت بدوار خفيف..هذا الرجل اقتحم حياتي في يوم عاصف كشخص غريب..والآن أصبح كل عالمي يتمحور حوله..
بعد أن انتهى الحفل..قادني بسيارته إلى المنزل..منزلنا الجديد..شعرت بالخوف ورغبة بالتراجع..
لابد أن هذا شعور كل عروس..الخوف من تغير نمط حياتها..الخوف من فشلها في حياتها الجديدة...
لكنني طرحت أفكاري السوداء جانبا..وصممت على بذل كل جهدي لإنجاح هذا الزواج وأنا أخطو إلى الداخل..
هتفت بدهشة:
" ياه..إنه جميل "..
تألقت عيناه وهو يقول :
" هذا بيتنا معا يا سيدتي "..
ابتسمت بفرح وأنا أمسك يده بامتنان..لقد كان متفهما عطوفا..وهذا يشعرني بالراحة..
ومضت الأسابيع الأولى وأنا كمن يعيش في حلم فوق السحاب..كان رقيقا..حنونا.. دللني كثيرا..لم يخاطبني مرة باسمي..كان دائما يناديني بسيدتي..
كنت أخشى أن يكون دافعه للتفكير بالزواج هو الهرب من الوحدة..جنون أن أفكر هكذا وأنا أحظى بكل هذا التدليل...
وذات يوم تحاملت على مخاوفي وطرحت السؤال الذي يلح علي:
" وليد..هل تحبني؟! "..
نظر إلي وكأنه يسبر أعماقي..ثم قال:
" بالطبع..وإلا لما تزوجتك "..
المستحيل يحدث في حياة كل شخص..هذا ما كنت أؤمن به دائما..وهاهو يحدث لي.. لقد تزوجت رجلا أحبه ويبادلني الحب..ولن أفرط بهذا الحب أبدا..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اكتشفت أنني حامل..خبر مفرح..لكنني لا أعرف ما ستكون ردة فعله..فهو لم يأت على ذكر الأطفال من قبل..ولأمهد لإخباره..عرضت عليه الخروج في نزهة..
أجاب طلبي وخرجنا نسير بين الحدائق الرائعة التنسيق..كان الأطفال يلعبون ويتراكضون في كل مكان..وفجأة التفت نحوي وقال:
" هل تحبين الأطفال؟ "..
أجبت متلعثمة :
" نعم..كثيرا "..
" ألا ترغبين أن ننجب واحدا لنا؟ "..
نظرت إليه بأمل مرتقب وقلت :
" هل ترغب أنت؟ "..
ابتسم ابتسامة حالمة وهو يقول:
" ليس عندي ما هو أحب من ذلك "...
صحت بسعادة غامرة:
" أوووه... لقد ذهبت للطبيبة عندما كنت في العمل وأخبرتني أنني حامل "..
أشرق وجهه ورفع يدي ليطبع عليها قبلة رقيقة:
" ما أجملها هدية تهدينها إلي يا سيدتي "..
أغمضت عيني وأنا أقاوم الدموع..هل يمكن لشخص أن يشعر بأنه سيختنق من شدة السعادة كما شعرت أنا؟!!..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
مرت شهور الحمل بلا مشاكل..كان وليد حريصا على راحتي..وعندما أحاول القيام بأي عمل يرفض ويقول لي:
" الحلم أوشك أن يكتمل..لا أريد لشيء أن يحرمنا منه "..
هذا الاهتمام والحرص منه يجعلاني أشعر بالفخر به..وبأني أميرة حياته..
وفي ليلة اشتدت آلامي..لم أجرب الانجاب من قبل..لكني حاولت أن أصبر حتى الصباح قبل أن أوقظه..
وبعد فترة انتبه ورآني جالسة أكتم آهاتي.. هتف بفزع:
" ما بك؟؟ "..
كان وجهي ينطق بالألم والتوجع..فلم ينتظر الرد وسارع إلى تبديل ملابسه.. ساعدني على ركوب السيارة..وسابق الريح في اتجاه المستشفى..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
رزقنا بطفل جميل..ومراعاة لي طلب مني البقاء في منزل والدي لتهتم بي أختي..وتم ذلك..
كان وجود الصغير كضيف جديد يضفي الحيوية والسرور على المنزل..ولم يمر يوم دون أن يأتي وليد لزيارتنا ويحتضن ابنه بحب وحنان..وبعد أن استرددت قواي طلبت منه العودة إلى المنزل..
تردد لحظة ثم قال:
" هناك شيء يجب أن أطلعك عليه "..
نظرت إليه بصمت في انتظار أن يكمل كلامه..ثم أردف:
" لقد حصلت على بعثة إلى أحد الدول الأجنبية..هل توافقين؟ "..
تنفست بارتياح فقد خشيت أن يكون خبرا سيئا..ثم قلت:
" سأطوف العالم بأكمله..مادمت سأكون معك "..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أقلعت رحلتنا بعد أسبوع من تلك المحادثة..سنتغرب ثلاث سنوات..لكن وجودهما معي..وليد والطفل..سيخفف كل شيء...
استأجرنا منزلا قريبا من البحر..واستغرقنا وقتا لنتعود على الوضع الجديد..كل ما حولنا غريب ..الناس..لغتهم ...طبائعهم..حتى الطقس يختلف كثيرا عما تعودنا..
كنت أجد صعوبة في التأقلم..لذا كنت أقضي معظم وقتي في المنزل ولا أخرج إلا قليلا.. وهكذا كنت أتجنب الشعور بأني بعيدة عن موطني..
كان وليد يغدق حنانه علي وعلى طفلنا..وبعد أن أتم ثلاثة شهور كان يخرج به أحيانا عندما أكون مشغولة ليتيح لي التفرغ لعملي دون مقاطعة بكاءه..
وذات يوم كنت منهمكة في إعداد طبق خاص للعشاء...اقترب مني وليد وقال:
"سأذهب لأتمشى قرب المحلات المواجهة للبحر...وسآخذ الطفل معي..أين عربته؟ "..
وخرج من المطبخ وهو يودعني بعجلة..نظرت ساهمة من فتحة باب المطبخ نحوه وهو يضع الطفل بلطف ويداعبه..اجتاحتني موجة جارفة من الحنان والحب..ياله من مشهد مؤثر..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اقترب موعد العشاء وهو لم يعد..ساورني خوف شديد..ماذا لو حدث لهما مكروه؟!!..
لا أعرف أحدا هنا..بل إنني لا أعرف حتى اللغة..
وبعد ساعة من القلق أقبل وليد وهو في حالة هائجة..دخل المنزل ووجهه شاحب ودموعه تنهمر.. ويردد بلا انقطاع:
" ماالذي فعلته؟ "..
لم تستطع أعصابي الاحتمال أكثر فصرخت:
" وليد..ماذا جرى؟!..قل لي أرجوك "..
أجاب بصوت يشبه العويل:
" كنت أنظر في بضاعة أحد المحلات..وأفلت العربة من يدي..ولم أنتبه إلا وقد تدحرجت ووقعت في البحر "..
لم أنطق بحرف..كنت كالتمثال الجامد..ثم أمسكت بكتفيه وهززته بعنف:
" وطفلي؟!!"..
أشاح بوجهه وقال:
" لم نعثر عليه بعد "..
كلماته انطلقت كالرصاص لتسلبني الحياة..سقطت يداي من على كتفيه..طفلي الحبيب.. غرق...مات؟!!...
ومع ذلك لا أستطيع البكاء..أي عجز هذا ؟!!.. أهو عقلي الذي يرفض بقوة تقبل هذه الحقيقة القاسية؟!!..
أم هو دمعي قد جف بفعل الحرارة التي تعتمل في داخلي؟!!..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
انقضى يومان وأنا كالجثة الهامدة..لا أتزحزح من مكاني أمام سريره الصغير..كان وليد يخرج كل يوم ليعود متعبا..منهوك القوى...يخبرني أن البحث لا زال جاريا ..ولما رأى تدهور حالتي قال لي:
" لم لاتعودين إلى الوطن؟!..سيستغرق البحث وقتا..وستجدين العزاء مع أهلك..وليس هنا في هذه الغربة "..
لم أجب بشيء..واعتبر صمتي علامة الموافقة..وفعلا حجز لي تذكرة عودة..كنت كالمسيرة..لا أريد أن أفكر ..وسأترك الباقين يتخذون القرارات والاجراءات عني..
لقد ظن الناس في المطار أنني شبه مجنونة..أحدق في الفراغ..واحتاج إلى من يمسك بيدي ليقودني..
وعندما وصلت إلى أرض الوطن وجدت أبي وأختي بانتظاري.. احتضناني بقوة وهما يبكيان..عجبا...الكل يبكي إلا أنا!!..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
انقضت أربعة أيام وأنا غارقة في بؤس وعذاب..لا آكل إلا بإلحاح من أختي..ولا أنام إلا بـأقراص مهدئة..كانت الصدمة عنيفة..قوية..حطمت روحي الشابة...
بعدها تلقيت رسالة من وليد...كانت مختصرة...فالوضع لا يحتمل الاسهاب...ابتدأها دون مقدمات:
" لقد عثرنا عليه..سيتم الدفن في نفس البلد تبعا لقوانينهم الصارمة..أظن من الأفضل ألا نتقابل ثانية..كيف ستتحملين رؤيتي وأنا سبب فقدك للطفل؟!!..وكيف سأحتمل الوضع وأنا أعاني من عقدة الذنب؟!!..ورقة الطلاق ستصلك قريبا "...
نظرت إلى السطور القليلة بعيون مثقلة بالهم..ولم أزد على أن نطقت بكلمة واحدة:
" آه "..
وبعدها انفجر كل الألم والتعاسة المكبوتة في قلبي...وبكيت....
بكيت بمقدار ما يفصل بين لحظة تلقي خبر وفاة طفلي..وبين خبر اقتراب وصول ورقة طلاقي...
المؤلم أنه محق في كلامه..رغم حبي له لا أستطيع رؤيته ثانية لأنني عندها سأرى طيف ابني في عينيه..في نفس الوقت الذي أحس أنه هو من حرمني طفلي..
الشيء الوحيد الثابت الآن هو حقيقة أنني خسرت كل شيء...في ظرف أسبوع انهار عالمي..وتمزق إلى أشلاء تتلاعب بها عواصف العمر..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الفصل الثاني
" تقدم شاب لخطبتك "..
تمر الحياة أحيانا قاسية..صعبة..ويتلقى فيها المرء ضربات عنيفة متتالية...ويعتقد البشر أنها لا تحتمل ولا تطاق..ومن غير الممكن الاستمرار فيها...
وهذا ما حدث معي ...لكن الحياة تستمر في خيرها وشرها..والدليل أنني الآن..وبعد أربع سنوات من المأساة احتفل بخطبة أختي...
لقد تعرف علينا أثناء وجوده مع أهله في مدينتا لزيارة أقاربهم...وقد أعجب الاثنان ببعضهما...
أن أختي وأبي يستحقان بعض الفرح بعد كل ما عانياه لأجلي...ومن واجبي أن أتجاوز أحزاني وأشاركهما سعادتهما ولو ظاهريا..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

فتحت الستائر متيحة لضوء الشمس أن يغمر الغرفة ..ثم هتفت:
"ياللروعة..تبدين متألقة "...
ضحكت أختي بخجل..فاليوم يوم زفافها.. وليس هناك ما يعكر صفوه سوى اضطرارها للانتقال إلى مدينة أخرى..
ساد صمت قصير قطعته أختي لتقول:
" وأنت يا عزيزتي..متى يحين دورك وتتزوجين؟ "..
ضغطت بيدي على فمي لأمنع آهة مكتومة..ثم قلت:
" يكفي تجربة واحدة "..
قطبت جبينها وهي تقول:
" ولكن إلى متى تستمرين هكذا؟! ..تجترين الذكريات....الماضي لا يعود "..
هززت رأسي بيأس:
" أعرف..لكنني لن أغامر ثانية..ماذا لو تكرر ما حدث أو شيء منه؟!..لايمكنني أن أحتمل أن أخسر طفلا مرة أخرى "...
ولأكسر حدة الجو الكئيب قلت مازحة:
"إلا إذا كنت تريدينني أن أتزوج خطيبك...فنحن متقاربان بالسن..بينما هو يكبرك كثيرا"..
ضحكنا معا وساعدتها على إكمال زينتها..
تم الزفاف وبكيت طويلا وأنا أعانق أختي قبل رحيلها.. لقد كانت خير معين لي في اجتياز محنتي..والآن أنا مضطرة لمواصلة الحياة وحدي مع والدي المريض...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تسير عجلة الأيام..وأختي الحبيبة تقوم بزيارتنا في فترات متباعدة...وفي إحدى الزيارات زفت لنا خبر حملها..باركت لها وأنا أشعر بالخوف...
أختي ورثت عن أمي ضعفا في القلب..ماذا لو أثر عليها الحمل؟!!...
سارت الأمور بهدوء في البداية...رزقت طفلة جميلة اسمتها رهف..أصبحت مصدر سعادة لنا..
وبعد سنتين توفي والدي...لقد عانى كثيرا وها هو رحل...وأصبحت أعيش وحيدة...يقتصر عالمي على وظيفتي وزيارات أختي التي كثرت لتعوض غياب أبي..
طلبت مني كثيرا الانتقال للعيش معها..لكنني كنت دائما أرفض.. لقد كيفت نفسي مع هذه الحياة..ولست مستعدة لأي إنقلاب جديد..
لم تنقطع زياراتها بمرور السنين...تلك الزيارات التي بقدر ما كانت تفرحني..كانت تؤلمني...لقد كانت أختي تذوي شيئا فشيئا...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تدهورت صحة أختي ولم يعد بإمكانها العناية بالطفلة لوحدها...عرضت على زوجها أن يبقيها عندي لاعتني بها هي وابنتها فقال لي بحزن:
" لقد عرضت عليها البقاء بالمستشفى لكنها رفضت "...
قلت بتفهم:
" أدرك مدى عناد أختي...ثم إنه مرض وراثي لا يمكن علاجه "...
كان واقفا ينظر إلى البعيد...ثم قال :
" رهف ستلتحق بالمدرسة هذه السنة..فإذا قبلت زوجتي الانتقال إلى هنا سأسجلها في مدرسة قريبة لمنزلكم "...
ولحسن الحظ قبلت أختي دون مقاومة.. فالجو الهاديء هنا يختلف عن صخب مدينة زوجها...
وهكذا صرت أتحمل مسؤولية الاهتمام بشخصين..لم يزعجني ذلك مطلقا فقد كنت مشغوفة بهما حبا...
وذات مرة..وبعد مرور ثلاث سنوات...كانت أختي تراقب طفلتها ذات التسع سنوات تلهو بألعابها التي أحضرتها لها..
كانت أختي وكأنها قد استسلمت أخيرا في معركتها ضد المرض..قالت لي :
" عديني أن تعتني بطفلتي عندما أغادر هذه الحياة "..
دوت كلماتها في أذني وصرخت بلا صوت.. يكفي كلاما عن الموت والرحيل... لكنها كانت محقة..
لقد غادرت الحياة بعد ذلك بشهرين..
هذه المرة بكيت....بل بكينا معا...أنا ورهف...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تغلبت رهف على أحزانها بسرعة..ربما ساعدها على ذلك أنها كانت تعتمد علي في السنوات الأخيرة أكثر من اعتمادها على أمها... والآن زاد هذا الاعتماد والتعلق...
وصممت على أن لا أشعرها بأي حرمان..سواء ماديا ومعنويا...وهكذا دللتها.. أغمرها الحب والحنان...والألعاب التي تحبها...
أما والدها فقد اتفق معي على أن تبقى في عنايتي حيث أنها أصبحت تعتبرني أما لها... ولكنه لم يبخل أبدا بزيارتها بانتظام حتى لا تحس بفقده... متحملا عناء السفر والانتقال دائما...
وعندما غادر بعد إحدى زياراته كانت رهف مكتئبة...فأخذتها إلى المنتزه العام...لقد كانت تحب الركض بين الأشجار واللعب بين المراجيح...
وما إن وصلنا حتى انطلقت تلهو مع بعض الأطفال...أما أنا فأخذت أتمشى بلا هدف.. استنشق الهواء بعمق...وبعد فترة لمحت رهف من بين الأشجار جالسة على أحد المقاعد بلا حركة...
نظرت إليها باستغراب...ليس من عادتها البقاء ساكنة ...تقدمت نحوها وعلامات الدهشة تملأ وجهي...
قلت بتعجب:
" لم أنت جالسة هكذا؟! "..
أجابت بمرح:
" لقد طلب مني أن لا أتحرك حتى يرسمني "..
حسنا..يبدو أن هناك شيئا يدور من حولي لا أعلم عنه شيئا..
قلت لها بحيرة:
" يرسمك؟!..من هو الذي طلب منك ذلك؟ "..
هل بدأت ترى أشباحا؟!!...لكنها أشارت بيدها الصغيرة إلى فتى أخفته الأشجار عن ناظري عندما كنت أتقدم نحو رهف...
كان جالسا على العشب وبجانبه عكازين..وبيده أوراق رسم وألوان...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كان يبدو في السادسة عشر...ابتسم بخجل وارتباك عندما رآني.. قلت بصوت ضعيف:
" آسفة...لم ألاحظك قبل قليل "..
رد بأدب:
" بل أنا من أعتذر ..لقد كان من المفترض أن أستأذن من والدتها "..
إنه يعتقد أنني والدتها...ابتسمت بألم وقلت:
" إنني خالتها..أمها متوفاة "..
ترددت قليلا ثم قلت:
" ما اسمك؟ "..
" اسمي غسان "..
وهكذا تم التعارف بيننا..وأصبحنا نقابله ثلاث مرات في الأسبوع في نفس المنتزه.. كان يحب صحبة رهف..
قال لي مرة:
" لقد أصبت في حادث إصابة بليغة في قدمي...سببت لي عاهة مستديمة..أما والدي فقد قتل في ذلك الحادث "...
كان صوته ينضح بالألم على والده أكثر مما يحس بالألم على إصابته التي حرمته صحبة من هم في عمره....
توقف قليلا ثم أكمل:
" كان ذلك قبل سنة.. ولم أبدأ بالخروج إلى الأماكن العامة إلا في اليوم الذي قابلتكم فيه..كنت أريد التحرر من العزلة وممارسة هواية الرسم ...
أما والدتي لم تتجاوز الصدمة حتى الآن رغم تظاهرها بعكس ذلك.. سأحاول أن أجعلها ترافقني لمقابلتك..طبعا إذا رغبت أنت بذلك "..
أجبت بلطف:
" يسعدني أن أقابل والدتك "..
وحضر السائق الخاص لإعادة غسان إلى منزله...فناديت رهف لتودعه...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في تلك الليلة اتصل والد رهف ليخبرنا أنه قادم في الغد...وفي ظهر اليوم التالي كانت رهف تجلس على ركبته بسعادة...
وعندما حان موعد قيلولتها ِأخذتها إلى غرفتها...ولما نزلت وجدته واقفا ينظر من النافذة...
لا بد أنه أحس بدخولي فقد التفت بسرعة وعلى وجهه تعبير غريب...لكنه سرعان ما استعاد حالته الطبيعية...وجلسنا نرتشف القهوة على الشرفة...
" هناك أمر أريد أن أناقشك فيه "..
كان هذا صوته القوي مخترقا السكون... توجس قلبي خيفة... هل تراجع عن قراره؟!..
هل سيصطحب رهف معه؟!!.. من أنا لأمنعه لو أراد ذلك؟!..إنه والدها أولا وأخيرا...
أضاف وكأنه يزن كلماته:
" إن رهف متعلقة بك جدا...كما أن تنقلي الدائم إلى هنا يتعبني أحيانا...ما أريد قوله ليس سهلا...لكن لا أرى حلا أفضل...
هل تتزوجينني؟! "...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
انزلق فنجان القهوة من يدي لتنسكب محتوياته على ملابسي...رغم ذلك لم تصدر عني أي محاولة لتنظيفه...كنت مصعوقة... عرض الزواج شل تفكيري تماما...
قال بلهجة اعتذار:
" آسف ..أعرف أنني فاجأتك..لكن الأمر معقول جدا...لقد مرت حوالي السنة على وفاة أختك..وحان الوقت لنمضي في حياتنا قدما.. مع احتفاظنا بالذكريات الجميلة لمن نحبهم "..
لمح الخوف والرجاء في عيني ..ففهم ما يجول بخاطري لذا قال بلطف:
" لست وحشا كما تتصورين.. لن آخذ رهف في حال رفضت طلبي...لك ما تشائين من الوقت لتفكري "...
تنحنح ثم قال :
" أعرف مخاوفك من الإنجاب...لذا أطمئنك بأنني لا ألزمك بالإنجاب لو وافقت على الزواج بي "...
رددت بوهن:
" نعم سأفكر..شكرا "..
لكنه لم يعرف أنني قررت مسبقا ...لا يمكن أن أتزوجه....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
قابلت والدة غسان ...كانت سيدة لطيفة ..ومهما كان ماضيها فلا أظن أنها تتذكر سوى الأوقات الجميلة لأن الابتسامة لا تفارق شفتاها...
ورغم فترة تعارفنا القصيرة إلا أن مودة كبيرة نمت بيننا...منحتها الجرأة لتسألني يوما:
"ما بك شاردة الذهن هكذا؟..يبدو أن أمرا يشغل بالك "....
ارتبكت لملاحظتها... لكنني فكرت قليلا...لم لا أصارحها؟!!...فقد تعبت من الاحتفاظ بأسراري دون أن أشارك أحدا..
تنهدت وقلت:
" والد رهف عرض علي الزواج "..
" وأنت ترفضين...أليس كذلك؟!! "...
ابتسمت بأسى وقلت:
" صحيح "..
" هل يمكن أن أعرف لماذا؟! "...
" أشياء كثيرة أولها أنني مطلقة "...
لم أكمل...فالتفاصيل الأخرى مؤلمة ولا أريد تذكرها...وقد كانت ذكية...فقد شعرت من نبرة صوتي أنني لا أرغب الحديث في الماضي..
فحولت مجرى الحديث بمهارة وقالت:
" لقد تزوجت من رجل أحبه ويحبني...قصة حبنا كانت أسطورة يتحدث عنها كل أقاربنا...وعشنا معا بسعادة لكنها لم تكتمل "...
آه...الجميع يعاني ويتألم ..لست أنا فقط...
صمتت قليلا ثم أضافت:
" لم أتمكن من الحمل...جربنا جميع الأدوية دون جدوى...قال لي أنه لا يريد شيئا من هذه الدنيا سواي...لكنني كنت أخشى اليوم الذي يندم فيه على قراره....
لذا ألححت عليه أن يتزوج...دارت بيننا مناقشات حامية تنتهي دوما بدموع وآلام..وفي النهاية خضع..وقبل طلبي...
وهكذا سافر وتزوج من بلدة أخرى ليجنبني لقائها والشعور بالمرارة...وأنجبت له غسان لكن المرض لم يمهلها..
حاول زوجي أن يعالجها فسافر بها إلى أرقى الدول...وما لبثت أن أسلمت الروح إلى بارئها "...
كان الجو الكئيب يخيم علينا...كما لو كنا نشهد مرور جنازة تلك المرأة...وبعد لحظة سكون أكملت سرد قصتها:
" وبما أنها كانت يتيمة وبلا أقارب...أحضر زوجي طفلها غسان ليعيش معنا...كان صغيرا حينها واتفقنا أن أصبح والدته...
وكبر غسان وفي اعتقاده أنني والدته الحقيقية..ولم يرى والده فائدة من تعريضه للآلام والعذاب بإخباره عن أمه في حين أنه ليس هناك أي شك بأنني أحببته كما لو كنت أنا من أنجبه "...
حولت نظرها إلى غسان الذي كان في تلك اللحظة بعيدا عنا يلهو مع رهف...لقد كانت عيناها تنطقان بالحنان والدموع تلتمع فيها وهي تقول:
" وفاة زوجي بعثرت كياني...لكن وجود غسان بجانبي منحني القوة لأقاتل وأعيش من أجله...إنه آخر جزء من ذكرى زوجي الراحل "....
امتدت يدي لا شعوريا وضغطت على يدها بعطف...فابتسمت وهي تقول:
" في اليوم الذي أحضر زوجي غسان إلى المنزل لأول مرة أقمنا حفلة صغيرة... ولأحتفظ بذكراه أخذت صورة لزوجي وهو يحمل الطفل بيديه... لا زلت أحملها معي إلى كل مكان... ها هي... سأريك إياها "...
أخرجت من حقيبتها صورة فوتوغرافية وقالت:
" انظري.... ما بك يا عزيزتي؟... لقد فر اللون من وجهك "...
نظرت بسرعة إلى غسان وأنا أحس بضغط هائل... ودون أن أجيبها أعدت النظر إلى الصورة لأتأكد... يا إلهي.... قلت بانفعال:
" اعذريني ... يجب أن أمضي الآن "..
أسرعت إلى رهف أناديها لنعود إلى المنزل...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
الذي في الصورة هو زوجي السابق وليد..مع طفلي الذي غرق... أو من المفترض أن يكون غرق...
غسان هو ابني... آه يا أختي العزيزة.. لقد قلت مرة أن الماضي لا يعود...لكنه عاد ... ويا لها من عودة... عودة بشعة.. دامية...
لقد خدعني وليد... خدعنا جميعا...مثل دور العاشق الولهان... وأخفى حياته وزواجه ليضمن موافقتي...
ولم يكتف بذلك.. بل دللني وناداني بسيدتي...أم أنه كان يخشى أن يناديني باسمي فيخطيء ويذكر اسمها...
ثم تلك البعثة المزعومة... لقد أحببته ووثقت به ثقة عمياء... بينما هو يرسم الخطط ويحيك المؤامرة...مؤامرة قاسية...
أخذني إلى ذلك البلد المشؤوم.. وشرع بتنفيذ خطته بالخروج مع الطفل... ليعود يوما باكيا دموع التماسيح مدعيا أن ابني غرق.. مستغلا جهلي بالناس ولغتهم...
لابد أنه أخفاه في مكان عند صديق له... أو أسوأ من ذلك... لعله استأجر شقة ووضع مربية أجنبية له...
ثم أرسلني إلى أهلي ليضمن عدم انكشاف سره... ولتكتمل الحبكة أرسل يقول أن ابني سيدفن هناك لقوانينهم الصارمة.. وبعدها يطلقني ويغلق ذلك الجزء من حياته إلى الأبد.. الجزء الذي تزوجني فيه...
وتذكرت كلماته عندما كنت حاملا... لقد قال " الحلم على وشك أن يكتمل ".. لقد ظننت أنه يقصد عائلتنا الصغيرة..والآن عرفت أنه يقصد عائلته هو...
وهكذا رجع إلى زوجته الحبيبة ملفقا القصة التي أخبرتني بها قبل قليل... مغيرا اسم طفلي إلى غسان...لتصبح زوجته هي أم غسان.....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
غضب.. حقد ...حسرة... كل تلك المشاعر رافقتني لعدة أيام... الرجل الذي أحببته حرمني طفلي من أجل المرأة التي يحبها....
يا له من حب قوي... لكنه لا يبرر مطلقا ما فعله بي..
وما فعله بها أيضا... إذ لا يمكنني لومها أو الحقد عليها...لقد خدعت تماما مثلي من قبل نفس الرجل..
والآن ماذا علي أن أفعل؟!.. هل آخذ ابني لأحطم تلك المرأة التي ربته وأحبته بصدق؟!.. أم أتركه ليتحطم قلبي من جديد؟!!...
إن أخبرت غسان بالحقيقة سيكرهني حتما لأنني سأكون السبب في تهشم صورة والده المثالية التي يحتفظ بها في عقله وقلبه...
وإن حرفتها أيضا سيكرهني... لأنه سيتهمني بإهمالي له طوال تلك السنوات لأعود وأطالب به بعد فوات الأوان...
في كلتا الحالتين أنا الخاسرة.. وهل سيمكنني تحمل إلحاق الأذى بابني والمرأة التي اعتنت به؟!!...
وبينما أنا في تخبط تام ..ظهر والد رهف عند الباب محييا... لقد أتى في زيارته المعتادة...
وفجأة اندفعت نحوه بقوة وأمسكت بطرف كمه...وقلت لاهثة:
" أرجوك.. خذني معك.. أوافق على الزواج منك "..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
مضى على زواجي من والد رهف ست سنوات... انتقلت معه إلى مدينته بعد أن بعت المنزل...وتركت حياتي السابقة كلها وأنا أحمل معي السر الذي لم أطلع عليه أحد مطلقا...
والآن كل ما أعرفه عن غسان أنه أصبح رساما مشهورا تقام له المعارض وتباع لوحاته بأغلى الأثمان...
هل أجد العزاء في ذلك؟!!... لا أعلم ولن أعلم يوما...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
" قصصي لا تخضع لمجتمع معّين"
بقلم
ما عُدتُ أنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
«®°·.¸.•° الماضي لا يعود °·.·.¸.•°®»
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ASDASD770 :: منتدى النثر والشعر والقصة والرواية-
انتقل الى: