من أسباب بقائهم وامتدادهم عبر التاريخ. ويقال إنه تعيش في أعماق غابة (توليار) شبه الخالية من السكان جنوب غربي مدغشقر، جماعة من صغار القامة ذوي لون رمادي يابسين كالعيدان ونحيلين كالمسامير يطلق عليهم (الميكيا) والى جانب القامة الصغيرة والاسم الغريب، تتميز هذه الكائنات الغريبة بأنها غير مرئية من الجميع، وقبائل الميكيا هم جماعة من الرحّل لا يتجاوز عددهم (1500) نسمة، فضلوا الانسحاب من ضوضاء المدن قبل ثلاثة قرون واتخذوا من الغابات سكناً لهم ومأوى. والمدهش أنهم يختفون عن الأنظار في وضح النهار، ويظهرون في الليل، وصدق أو لا تصدق أن أفراد القبيلة لا يشربون الماء البتة!
بل إنهم يموتون بمجرد ملامستهم له حيث يقتصر غذاؤهم على أنواع معينة من جذور الأشجار أو القنافذ والعسل!
ومع أن الانسان العادي يحتاج يومياً إلى لترين من الماء على الأقل إلا أن قبائل الميكيا، برمجوا أنفسهم على تلك الحياة واستطاعوا العيش بسعادة حيث لا آبار ارتوازية ولا أعمدة للكهرباء ولا استنزاف من لدن شركة الاتصالات ولا زراعة بل إنه نظام البقاء!
التشتت في الغابة
والذين شاهدوا قبائل الميكيا قلائل ومن بينهم الباحث (لويس مولي) الذي قام برحلة إلى “خليج القتلة” في العام 1956 وذكر أنه من الصعب البقاء معهم على قيد الحياة بسبب عدم وجود الماء، واستطاع الرحالة الثاني (جان ميشيل هورنر) أن يكتشف بعض خفايا حياة الميكيا في رحلته إليهم في العام 1971 وأكد انهم الوحيدون في العالم الذين يستطيعون البقاء على قيد الحياة من دون ماء.
وقال (هورنر) انهم يختبئون باستمرار ويغيرون أماكن وجودهم كل (3) أيام، ولا يلتقون بعائلات أخرى لأن الشرط الوحيد للبقاء هو حسب رأيهم التشتت في الغابة كي يسهل العثور على الطعام في كل الفصول وهمهم البقاء على قيد الحياة.
ويضيف هورنر: إن الميكيا لا يشكلون إثنية بل هم تجمع من الصيادين والمزارعين وهو أمر طبيعي جداً في تلك المنطقة ولكن ما هو غير عادي أنهم يرفضون بالفعل أية علاقة أو صلة بالعالم!
رفض الخضوع للمستعمر
في القرن التاسع عشر وأثناء الحكم الفرنسي لحقت بقبائل الميكيا موجات من الناس رفضت الخضوع للسلطة الفرنسية، وتأتي تسميتهم من عبارة (تسي ميكيا هي) أي الذين لا يحتملون أن تلقى عليهم الأوامر، لكن غياب السلطة العام له صعوباته، فعلى مدى القرون طبق الميكيا الحكمة التي تلخص ثقافتهم “لنعش مختبئين من أجل أن نحيا”.
يشار إلى أنه بعد إلغاء الضريبة في عام 1972 قبل بعض أفراد الميكيا العودة إلى قراهم، واستطاعوا ان يتأقلموا، ولكي يتميزوا عن الرحّل لجأوا إلى الزراعة لكنهم حافظوا على نمط التغذية نفسه وطراز السكن نفسه وكذلك نمط الحياة، أما الذين لم يستطيعوا التأقلم فعادوا إلى الغابة. ويشير البروفيسور (هورنر) إلى أن ما يثير الغرابة الحضرية المدنية، لكنهم اختاروا العيش كبدائيين.
ويصف أحد الكهنة الميكيا بالقول: “إنهم البشر الأكثر حرية في العالم، فهم يعيشون وحدهم وينامون وحدهم حتى إنهم يرفضون تأسيس عائلة. إنهم بكل بساطة كائنات كتومة من يعرفهم يقول إنهم غير موجودين وقد يمر أحد على مقربة شديدة منهم من دون أن يلحظهم”.
جماعة أسطورية
ويقول (ميشيل) وهو صحافي فرنسي التقى بشخص عايش الميكيا عن كثب: “إذا كان الميكيا غير مرئيين فذلك كيلا يُقتَلعَوا من غابتهم وأهل القرى يتجنبونهم إما احتقاراً أو خوفاً”. ويضيف الرجل: “إن الميكيا يعرفون جيداً كل النباتات والأعشاب ومفعولها لكنهم أيضاً يمارسون التنجيم، ويُنظر إليهم كسحرة يجب الابتعاد عنهم، إنهم فعلاً جماعة أسطورية ومكتومة لكن الرُحّل منهم يتواصلون مع غير الرحّل لا سيما الميكيا الذين استقروا تحت تأثير المبشرين. وفي الغابة يعرفون بعضهم عبر إطلاق أصوات أو صرخات حادة ولا يظهرون إلا إذا تعرفوا إلى صوت صديق”.
ويذكر أن الميكيا عندما شاهدوا البيض للمرة الأولى اعتبروهم (كزناهاري) أو آلهة لكن سرعان ما غيروا رأيهم وأطلقوا عليهم تسمية أخرى وهي (بيبيراتي) أي الحيوانات الرذيلة!
ويبذل (الميكيا) جهداً كبيراً للحصول على جذور البابو ويقوم بهذا العمل المضني الرجال بالطبع، بل إن حياتهم ملخصة في البحث اليومي عن الطعام الذي يسمح لهم بالبداية من جديد في اليوم التالي، لا دِين، لا إنتاج، لا ثقافة وعدم اكتراث بباقي العالم، إنها بكل بساطة حضارة الرفض بل منهم من يقول لك بمنطقه البدائي الصحيح موضوعياً: لماذا علينا أن نترك الغابة؟ ولكن لا يعلم هؤلاء أن الغابة التي تأويهم اليوم سيتم حرقها أو حرثها من أجل الزراعة في الغد القريب أو حتى البعيد، وقد تختفي كلياً بعد عشر سنوات أو حتى خمس، وعندها ربما لن يعود هناك أي أثر (للميكيا) على الإطلاق.
انشالله ينال اعجابكم (منقول )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته